الثقافة التنظيمية والجودة الشاملة في المؤسسة التربوية
Unknown | 8:03 pm |
د.
عدنان بن أحمد الورثان
مستشار وخبير الجودة التربوية والتميز المؤسسي
الثقافة التنظيمية والجودة الشاملة في المؤسسة التربوية:
أصبحت إدارة الجودة الشاملة الآن سمة
مميزة لمعطيات الفكر الإنساني الحديث؛ كون تطبيقها يؤدي إلى إحداث تطوير نوعي
لدورة العمل في المؤسسة التربوية بما يتلاءم مع المستجدات التربوية و والإدارية ،
ويواكب التطورات الساعية لتحقيق التميز في كافة العمليات التي تقوم بها المؤسسة
التربوية .
ولا بد أن ينظر إلى الجودة كجزء مرتبط
بكامل جوانب العملية التربوية، وأساس ديني
،وانتماء وطني، ومطلب وظيفي. ولذا نسعى في مؤسساتنا التربوية إلى عملية
التحسين والتطوير وذلك بتحسين وتطوير الهياكل التنظيمية ،وتحسين وتطوير أداء
العاملين ،وأساليب العمل ،والأساليب الإشرافية والتحفيز ،والنظم ،والإجراءات
،وتحسين القناعات التي تقاوم التغيير إلى الأفضل ، والحرص على تنمية روح العمل
الجماعي واستخراج مكامن العنصر البشري من مواهب وإبداعات وقدرات وخبرات لتطوير
مستوى العمل التربوي .
والجودة الشاملة هي فلسفة , وثقافة مشتركة , تهدف لتلبية
احتياجات المستفيدين المتغيرة وتوقعاتهم بشكل مستمر وتام وبنجاح أكبر ؛ وذلك من
خلال التحسين المستمر للمؤسسة ، وبمشاركة فعَّالة من الجميع من أجل منفعة المؤسسة
والتطوير الذاتي لموظفيها، وبالتالي تحسين نوعية الحياة في المجتمع،
ومن الضروري أن يُنظر للجودة الشاملة على أنها فلسفة ، وثقافة
مشتركة تشكِّل جزءاً جوهرياً من قيم وثقافة المؤسسة وتساعد في تفسير سبب وجودها،
وماذا تفعل ؟ وكيف تفعل ذلك ؟
وتمثِّل الثقافة المشتركة مجموعة من القيم والمعتقدات والأنماط
السلوكية التي تشكِّل جوهر هويَّة المؤسسة . وما
يجب عمله هو بناء ثقافة مؤسسية تكون فيها الجودة بشكل عام هي القيمة الموجهة
لنشاطات الأفراد . ويتحقق هذا عندما تتخذ الإدارة الخطوات الضرورية لتحسين أداء
المديرين ، والإداريين
، والموظفين داخل المؤسسة .
وإن نشر الثقافة التنظيمية للجودة
الشاملة وفلسفتها في المرحلة التمهيدية الإعدادية لتطبيق الجودة ، يسهم في
الانتقال إلى النمط الإداري التشاركي لتكون مفتاح ومدخل أساسي وطبيعي لتحسين وجودة
العملية التربوية في المرحلة التالية تحقيقاً للأهداف التربوية المنشودة.
وإن كان الإعلان عن ثقافة جودة شاملة جديدة لا يستغرق وقتاً
طويلاً ، إلا أننا نحتاج لسنوات لنجعل مئـات أو آلاف من الموظفين يتصرفون بطريقة
مختلفة .
وإن لم تكن الإدارة مستعدة لإظهار الصبر، وبذل الجهد في التخطيط ،
وقيادة عملية التغيير والاستمرار في أسلوبها تجاه الجودة الشاملة ، فلن تتحقق
نتائج هامة على المدى البعيد ، وبالتالي فإن التغيير سينتهي كما انتهت
التجارب السابقة .
ومما يجد الإشارة إليه أن المؤسسة ،
لا يمكن أن تحقق رضا العميل (المستفيد) الداخلي والخارجي إلا إذا أسست ، وفعّلت
القيم والمبادئ التي يجب أن تسود جميع أفرادها؛ لتتمكن من تطبيق فلسفة ، ومفهوم
ومبادئ إدارة الجودة الشاملة ، وهذا ما يطلق عليه بالثقافة التنظيمية.
ولقد ظهرت نظرية الثقافة التنظيمية في
بداية الثمانينات من القرن الماضي ، وفحوى هذه النظرية أن لكل منظمة ثقافتها
الخاصة ، وتتكون من القيم والمبادئ والافتراضات الأساسية التي يكوّنها الأفراد
داخل منظماتهم وبيئاتهم ، والتي تدفع بسلوكيات معينة .
وإن الثقافة التنظيمية تخضع أساساً لعاملين أساسيين وهما :
1 - الثقافة العامة للمجتمع .
2 - الفلسفة التربوية التي ينبع عنها الأهداف التربوية المقررة
من قبل السلطات العليا .
ويرى نلسون وكويك (1996) أن الثقافة
التنظيمية التي يعتنقها الأفراد في المنظمات لها تأثيراً قوياً، ومباشراً على
سلوكهم ،وأدائهم لأعمالهم ،وعلاقاتهم برؤسائهم ،ومرؤوسيهم ،وزملائهم ،والمتعاملون
معهم ، وتعكس هذه القيم والمعتقدات درجة التماسك والتكامل بين أعضاء المنظمة،أو
المؤسسة ، كأنها نظام رقابة داخلي يدق الأجراس عندما يخرج السلوك عن الحدود التي
رسمت له ، ومن ثم فإن هذه القيم تعبر عن قدرة المنظمة على إيجاد قيم أساسية يمكن
أن تتحرك حولها كل الجهود وعلى جميع المستويات في المنظمة أو المؤسسة .
إن الثقافة التنظيمية امتداد للثقافة
المجتمعية السائدة، وبالتالي فإن سلوك الفرد الوظيفي لا يتولد من فراغ فكري يعيشه
،وإنما هو نتاج السلوك المجتمعي الإيجابي أو السلبي ، فالرموز الفكرية والقيم التي
يعتنقها الأفراد هي المكونات الأولية لثقافة المجتمع بكافة أجهزته وفئاته
ومؤسساته.
وثقافة النظام تعطي صورة عن المعايير
الهامة التي تقوم عليها قيمه واتجاهاته وأهدافه ، وإن لكل نظام تقاليده ،وممارساته
،وطرق التأقلم الخاصة به التي يكون لها الأثر على اتجاهات العاملين وسلوكهم .
ومفهوم الثقافة التنظيمية في الجودة
الشاملة هي الطريقة التي تؤدّى بها الأعمال ، إذ يؤكد فيليب اتكنسون "أن
الثقافة عبارة عن مجموعة من القيم ،والسلوكيات ، والقواعد التي تميز المنظمة عن
غيرها من المنظمات، وإذا أردنا أن نأخذ بمفهوم ،ومبادئ الجودة الشاملة، فعلينا
العمل على ترسيخ الثقافة التي يشعر فيها الأفراد بحرية المشاركة بأفكارهم
،والمشاركة في حل المشاكل ،واتخاذ القرار ،واعتبار ذلك بمثابة قاعدة أساسية في العمل
.
وإن التغير الثقافي هو السر لتطبيق
إدارة الجودة الشاملة إذ أن الملتحقين بالمنظمة ،أو المؤسسة ينتمون إلى ثقافات
خاصة متنوعة ،وبالرغم من أن الأفراد يخضعون للثقافة العامة، وبالسلم القيميّ العام
للمجتمع إلا أنهم قد كونوا سلمهم القيميّ الخاص بهم وما على المنظمة ،أو المؤسسة
إلا أن تحدد قيمها ،ومبادئها، ومعتقداتها الخاصة بها ،وتحولها إلى قواعد ،ونظم
،ومعايير، ونمط إداري ثم تقوم بتعريف الأفراد المشاركين بالمنظمة بها.
وفي الحقيقة إن من أهداف تطبيق الجودة الشاملة هو محاولة
لتغيير
الثقافة التنظيمية ضمن أهداف أخرى
عديدة ، فإدارة الجودة الشاملة لها جانبان: الجانب الأول هو فلسفة الجودة الشاملة
والتي تقوم
على أهمية تحقيق رضاء المستفيد من
الخدمات وضرورة التطوير والتحسين وإلى غير ذلك من مبادئ الجودة الشاملة ، أما الجانب الثاني فهو جانب الأدوات المستخدمة في تطبيق الجودة الشاملة ، لذلك ما يهمنا في الجودة
الشاملة هو الفلسفة والقواعد العامة وأهمها
ما يمكن تسميته بالتمكين أو تفويض السلطة ،
حيث أن فرق العمل أو اللجان
التي ستنشأ لإحداث تطوير معين والتي ستتكون من الموظفين الذين يعملون في هذا المجال، بالإضافة إلى المستفيدين ومن لهم علاقة بهذا العمل
ستكون لديها حرية إحداث التطويرات
التي تراها مناسبة، وبالتالي سيصبح بيدها اتخاذ الكثير من القرارات ، وكان من
المتوقع أن هذا التمكين بالإضافة إلى الاقتناع بضرورة التطوير لمواجهة التحديات القادمة سيقضي على السلبية والشعور
باللامبالاة الذي يعتبر
أحد ظواهر الثقافة التنظيمية .
وهكذا فإن تطبيق
الجودة الشاملة من أهدافه جعل الثقافة التنظيمية أكثر إيجابية نحو التطوير وأكثر تحفيزا لبذل الجهد اللازم للتطوير، ولكن المهمة ليست
سهلة فليس من السهل تغيير
ثقافة تنظيمية تكونت خلال سنوات طويلة، فالمهمة صعبة وتحتاج إلى جهود ضخمة، ولكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.
ولعل من الجوانب السلبية هو رؤية الجودة الشاملة على أنها
برنامج منفصل ،أو مغامرة منفصلة عن باقي المشروعات ، بدلاً من رؤيتها على
أنها جزء من عملية متكاملـــة ، وشاملة ومترابطة ، فهي ليست هدفاً محدداً نحققه، ونحتفل به
ثم ننساه ، بل هي هدف متغير، وهو تحسين الجودة باستمرار.
وفلسفة جودة التعليم تعني الإطار الفكري المنظم الذي يتخذ
الفلسفة أسلوباً وطريقاً لتنظيم التعليم ،وتوضيح القيم ،والأهداف التي يسعى
المجتمع إلى تحقيقها من خلال نظامه التعليمي ، ومن المهم نشر هذه الفلسفة في :
- المجتمع والبيئة الخارجية . - المجتمع والبيئة الداخلية .
- الإدارة المركزية والمحلية والمدرسية . - المدرسة وجميع المعلمين والإداريين
والطلاب .
ولتحويل فلسفة وثقافة الجودة الشاملة إلى حقيقة في مؤسسة ما ، يجب ألا تبقى هذه الفلسفة مجرد نظرية دون تطبيق عملي ، ولذلك
بمجرد استيعاب مفهوم الجودة الشاملة ، يجب أن يصبح جزءاً وحلقةً في عملية الإدارة
التنفيذية من قمة الهرم إلى أسفله ، وهذا ما يعرف بإدارة الجودة الشاملة ، وهي عملية
مكونة من مراحل محددة بشكل جيد ، وتحتاج إلى متسع من الزمن لتحقيقها ، حتى تصبح
مألوفة للمؤسسة التي تتبناها ، ويتم تنفيذها باستمرار .
وحتى يكون للجودة الشاملة وجود في مجال التطبيق الفعلي
لا بد من توافر خمس صفات للتنظيم الناجح لإدارة الجودة الشاملة :
1 ـ حشد جميع العاملين داخل المؤسسة بحيث يدفع كل منهم بجهده
تجاه الأهداف الإستراتيجية، كل فيما يخصه.
2 ـ الفهم المتطور ، والمتكامل للصورة العامة ، وخاصة بالنسبة
لأسس الجودة الموجهة لإرضاء "العميل أو المستفيد " .
3 ـ قيام المؤسسة على فهم العمل الجماعي .
4 ـ التخطيط لأهداف لها صفة التحدي القوي ، والتي تلزم المؤسسة
وأفرادها بارتقاء ملحوظ في نتائج جودة
الأداء .
5 ـ الإدارة اليومية المنظمة للمؤسسة من خلال استخدام أدوات مؤثرة
وفعالة لقياس القدرة على استرجاع المعلومات والبيانات .
6- تقديم
التشجيع والتحفيز المادي والمعنوي الضروري والممكن للأفراد الذين سيتأثرون بعملية
التغيير في المؤسسة .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبة أجمعين،،،،،،
0 التعليقات:
Post a Comment